رحلتي
مع الخميائي
بعد أن أنتهت رحلتي مع الراهب الذي باع سيارته الفيراري, و
كيف أنه أخذني إلى أعماق نفسي لدرجة أني إكتشفت مالم أتوقع إكتشافه. و من ثم ذهبت
لتلقي الحكمة و كيف السبيل إلى الغنى من أغنى رجل في بابل, و كيف أنه عاش حياته
بمبدأ "الحذر القليل خيرٌ من الندم الكثير." و ها أنا الأن وجدت نفسي في
رحلة عجيبة و غريبة, رحلة في البحث عن كنز, و لكن السر ليس في أهمية و عظمة الكنز
بل في الطريقة التي عُرف بها وجود الكنز, و الطريق إلى الكنز, الدروس النابعة من
الألم في سبيل الحصول على الكنز, و ما هو الكنز, و البحث عن الخميائي راعي الكنز.
حكى لي سنتياغو قصة تعلمها خلال رحلته في البحث عن الكنز
الذي كان حسن الطالع دائماً يقوده إليه, فقال: يحكى أن رجلٌ كان يبحث عن السعادة,
فأخبروه بمكان حكيم من الحكماء قد فاق من العمر المائة. فذهب إلى منزل ذلك الحكيم,
و قد كان قصراً عظيماً و كان الناس كثير, فدخل إلى ساحة تعج بالناس يستفسرون من
الحكيم. فوصل إلى الحكيم و قال: كيف السبيل إلى السعادة؟, فلم يجبه الحكيم, ثم أصر
و سأل مرةً أخرى, كيف السبيل إلى السعادة؟, فقال الحكيم: هل رأيت قصري الكبير و
تجولت به, فقال الرجل: لا. فقال الحكيم: حسنناً إذاً. سأخبرك عن السعادة إلى مسكت
هذه الملعقة التي بها بعض الزيت, و تدور بها في القصر, و لكن بشرط أن لا تسكب أي
شيء من الزيت. فقال الرجل حسناً. و بالفعل أمسك الرجل بالملعقة التي بها الزيت, و
دار في القصر كله ثم عاد إلى الحكيم. فقال له الحكيم: هل رأيت القصر من الداخل؟
فقال الرجل: لا, هلى رأيت التماثيل التي في القصر؟ فقال لا, و قال الحكيم: هل رأيت
النافورة التي في منتصف القصر؟ فقال الرجل الباحث عن السعادة لا. فقال الحكيم: إذا
إذهب و ملعقة الزيت معك و أنظر إلى القصر و التحف التي فيه.
فذهب الرجل الباحث عن السعادة و أصبح يتجول في القصر و قد
كان مبهوراً بما يرى, و من العجائب الكثيرة التي لم يرى مثلها من قبل. و عاد إلى
الحكيم, و قال: لقد عدت, فسأله الحكيم: هل رأيت القصر؟ و هل رأيت ما فيه؟ فقال
الرجل الباحث عن السعادة, نعم رأيته, و راح يوصف للحكيم كيف أن قصره جميل و رائع. ثم باغته الحكيم و قال: ماذا عن
ملعقة الزيت؟ فتوقف الرجل الباحث عن السعادة, و نظر إلى ملعقته و قد كان الزيت قد
إختفى منها. و نظر إلى الحكيم بكل أسف. ثم قال الحكيم: يا بنى السعادة هي أن تتمتع
بالحياة دون أن تزيغ عينك عن بقعة الزيت.
كانت هذه أحد القصص التي حكاها لي سانتياغو خلال رحلته و هو
يبحث عن الكنز. و قد بدأ في إخباري كيف أن للعالم روحاً و أن من يفهم ذلك سيفهم
لغة كل شيء. و أخبرني أيضاً كيف أن كل كائن على وجه الأرض يلعب دوراً أساسياً في
كتابة تاريخ هذا الكون. و أخبرني أيضاً أن لا أستسلم لليأس لأنه السبب في عدم
التحاور مع قلوبنا. ثم سكت برهه و قال: إذا أردت أن ترى عظمة الخلق كله فما عليك
إلا أن تتأمل حبة رمل واحدة. و من ثم سألت سانتياغو و قلت: من هو الخميائي؟ فقال:
الخميائي هو الشخص يستطيع إحلال الكمال الروحي على الصعيد المادي.
ثم سكت, و لم أستطيع الكلام, حتى قال لي سانتياغو: إعلم أن
أي نعمة لا يتم قبولها تتحول إلى لعنة. و إعلم أنه ليس الحب ما يمنع الرجل من
تحقيق أسطورته الشخصية, و أنه منعه ذلك, فهذا ليس بحب. ثم وجدني أفكر في كلامه و
أردف قائلاً: و إعلم أيضاً أننا نحب لأننا نحب و ليس هناك أي سبب للحب. و أردف
قائلاً: إعلم أن الحب هو ما يجعل الطريدة تتحول إلى صقر, و الصقر إلى إنسان, و
الإنسان من جديد يتحول إلى صحراء, و هذا هو ما يجعل الرصاص يتحول ذهباً و الذهب
يعود و يختبئ تحت الأرض مرةً أخرى.
فقلت لسانتياغو قبل أن ارحل, و كيف عرفت كل هذا؟ فإبتسم و
أعطاني ظهره و قال: مكتوب, كل شيء مكتوب يا معتصم, كل شيء مكتوب. فكأنه عرف أن وقت
رحيلي قد حان, و أن الدنيا بدأت في التغير, و الزمان تحول لأذهب في رحلة أخرى,
فوجدت نفسي أستمع مع ولدين صغيرين دروس في الحياة و كيف السبيل إلى تحقيق ثروة
هائلة. و لكن هذه قصة و رحلة أخرى مع "الأب الغني, و الأب الفقير".
و كلمتي الأخيرة:
التوكل على الله دائماً و أبداً. التفاؤل مطلب مهم, و مواجهة الواقع شر لا بد منه. و لكن الأمل بالله أبداً لا ينضب, فالحمدلله إن أصبت و أستغفر الله إن أخطأت.
إقتراحاتكم و تعليقاتكم تُعلمني و تهمني و تُلهمني
@mkatouah
eng.mkatouah@gmail.com